بقلم المهندس/ طارق بدراوى
مسجد المؤيد شيخ يعتبر أحد مساجد عصر المماليك الجراكسة ويقع هذا المسجد بشارع المعز لدين الله الفاطمي ملاصقا لباب زويلة وقد أنشأه المؤيد أبو النصر شيخ بن عبد الله المحمودي الجركسي الأصل أحد مماليك الأمير برقوق وكان ذلك بداية من عام 818 هجرية / 1415م وإنتهى البناء في عام 824 هجرية / 1421م ويقول فيه المقريزي إنه الجامع لمحاسن البنيان الشاهد بفخامة أركانه وضخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنوشروان ويستصغر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان
وقد جلب المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي إلى مصر عبدا بواسطة التاجر محمود اليزدي وإشتراه السلطان برقوق قبل أن يرتقي العرش وعندما أصبح برقوق سلطانا أعتق المؤيد شيخ وجعله من خاصته ورقاه السلطان ناصر فرج فيما بعد لمنصب نائب الوصي على العرش لطرابلس ببلاد الشام وقد أسـره وسجنه الفاتح المغولي تيمور لنك ولكنه تمكن من الهرب والعودة إلى مصر ثم عين نائب الوصي على العرش لدمشق وتطلع إلى إسقاط السلطان الناصر فرج وتمكن بالفعل من قتله ثم أعلن نفسه سلطانا بعد حوالي شهرين من هذا الأمر وقد كان فيما يروى عن المؤيد شيخ أنه كان مشهورا في شبابه بالفروسية والشجاعة ولعب البولو والمبارزة ولكن حياته قد ختمها وهو مقعد بسبب مرض المفاصل الذى أصيب به عندما تقدم به السن
وقد تم بناء مسجد المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الظاهري الذي كان من مماليك السلطان الظاهر سيف الدين برقوق قبل أن يتحقق له ملك مصر وترجع قصة بناء المسجد إلي أن المؤيد قد حبس في خزانة شمال مصر التي كان يسجن فيها المجرمون وذلك أيام تغلب أحد أمراء المماليك وإسمه الأمير منطاش وقبضه على المماليك الظاهرية وحدث أن قاسى المؤيد في ليلة من الليالي وهو في سجنه من الحشرات خاصة من البق والبراغيث التي لسعت جسمه طوال الليل فنذر لله تعالى إن تيسر له ملك مصر أن يجعل هذه البقعة مسجدا لله عز وجل ومدرسة لأهل العلم وقد أوفى بنذره وفي رواية أخرى أن سبب سجن المؤيد هو وصول وشاية للسلطان برقوق بأن المؤيد يريد أن يقوم بإنقلاب علي الحكم فأمر بسجنه في هذا المكان
ويقع مسجد المؤيد شيخ خلف باب زويلة بالقاهرة القديمة وعلى بعد خطوات قليلة منه وهو مسجد ضخم بمئذنتين تقعان أعلى أبراج الباب وهويعد من أجمل وأضخم المساجد الجامعة بالقاهرة ويعد المسجد أيضا من أجمل ما خلفه العصر المملوكي من تحف معمارية وهو أيضا يعتبر من المساجد المعلقة وكان يستغل أسفل المسجد كحواصل ينفق ريعها علي المسجد بالكامل وأول ما نشاهده من المسجد هو باب المسجد الذي يعد من التحف الفنية وهو في الأساس باب مدرسة السلطان حسن ولكن المؤيد شيخ قد إشتراه مع تنور نحاس مكفت ليضمه لمسجده ويعتبر المسجد تحفة معمارية تدل على عظمة عمليات التشييد في العصر المملوكي
وعند الدخول من باب المسجد الرئيسي نجد على اليسار سبيل للمياه كان يستخدم قديما في إرواء ظمأ رواد المسجد وعابري السبيل ويتمتع المسجد بصحن داخلي ضخم نصفه مسقوف وهو بجوار المحراب والمنبر ويقع أمام المنبر جزء منه مرتفع عن الأرض كان يقف عليه المبلغ وذلك للترديد وراء الإمام في الصلوات لكي يسمعه الناس على طول إمتداد المسجد ويتميز المسجد بقبة داخلية ضخمة يبلغ إرتفاعها تقريبا أربعون مترا ويتوسط صحن المسجد ميضاة دائرية كان المصلون ولا زالوا يستخدمونها في أغراض الوضوء ورواق القبلة مغطى بسقف خشبي تعلوه زخارف نباتية ليس لها بداية أو نهاية وأسفل الزخارف شريط كتابي عليه آيات قرآنية مكتوبة بالخط الثلثي المملوكي مطلية بماء الذهب وجميعها تحث علي اقامة الصلاة
وتعلو الشبابيك الرئيسية للمسجد شبابيك عليا مصنوعة من الجبس الأبيض وبها زجاج معشق بالألوان وكان لمجموعة المؤيد شيخ ثلاثة مآذن إثنان منها فوق باب زويلة واللتان تشكلان الآن أبرز معالم البوابة ومئذنة ثالثة مختلفة الشكل قرب المدخل الغربي ولكنها إختفت في القرن التاسع عشر الميلادى وكان المهندس الذي أسس المسجد ويقال إن إسمه محمد القزاز قد إنتهز فرصة وجود برجى باب زويلة فهدم أعلاهما وأقام مئذنتى المسجد عليهما وقد زود السلطان المؤيد المسجد بخزانة كتب عظيمة تحوي كتبا في مختلف العلوم والفنون وهو ما أورده المؤرخ المقريزي فيذكر أن السلطان المؤيد شيخ نزل إلى المسجد ودخل خزانة الكتب التي تأسست هناك وقد حمل إليها كتبًا كثيرةً في أنواع العلوم المختلفة كانت موجودة سابقا بقلعة الجبل وقدم له القاضي ناصر الدين البارزى خمسمائة مجلد قيمتها ألف دينار فأقر السلطان المؤيد شيخ ذلك بخزانة الكتب بمسجده
ويضم المسجد أربع واجهات الواجهة الشرقية منها هي الواجهة الرئيسية المحتفظة بكيانها الأصلي وهي مرتفعة وتزينها وزرات رخامية في أعتاب نوافذها كما غطى كل شباكين من شبابيكها بمقرنص واحد ويقع المدخل الرئيسي للمسجد في الطرف الشمالي وبابه من الخشب المصفح بالنحاس المكفت بالذهب والفضة نقلهما المؤيد شيخ من مدرسة السلطان حسن كما أسلفنا القول وما يزال إسم السلطان حسن منقوشًا على هذا الباب الذي يعتبر من أجمل وأدق الأبواب النحاسية في زمانه وهذا الباب يؤدي إلى دركاة سقفها مرتفع على هيئة مصلبة حجرية وبها تربيعتان من الرخام مكتوب في كل منهما بالخط الكوفي المربع آية الكرسي وعلى يمينه ويساره بابان الأيمن يؤدي إلى طرقة مفروشة بالرخام على يسارها مزيرة عليها حجاب من خشب الخرط عليها تاريخ إصلاحه عام 1308هجرية / 1890م وتنتهي هذه الطرقة بباب يؤدي إلى مؤخرة الرواق الشرقي والباب الثاني على يسار الدركاة يؤدي إلى قبة شاهقة الإرتفاع مبنية بالحجر وحلي سطحها بزخارف جميلة وبهذه القبة قبران كما أسلفنا القول أولهما قبر إبنه الصارمي إبراهيم والذى مات صبيا وإخوته المظفر أحمد وأبو الفتح موسى والقبر الثاني هو قبر المؤيد شيخ وعليه تركيبة رخامية يحيط بها مقصورة من الخشب الخرط مكتوب على بابها اسم يشبك بن مهدي ولقد كان للمسجد أربعة أروقة تحيط بالصحن لكنها تهدمت ولم يبق منها سوى الرواق الشرقي فقط
وقد ظل المسجد قائما حتي زمان حكم الدولة العثمانية لمصر وحتي أواخر القرن الثامن عشر الميلادى وفي أثناء فترة ولاية أحمد باشا علي مصر كان هناك مجموعة من المتمردين علي الحكم إحتمت بالمسجد فأمر الوالي بضربهم بالمدفعية ونتج عن ذلك أن تهدم ثلاثة أروقة من المسجد وقامت هيئة الأوقاف بزراعة المكان بعدد من أشجار الزينة والفاكهة لحين دخول المسجد مرحلة الترميم ومؤخرا قامت وزارة الثقافة بترميم المسجد وإعداده للزيارة السياحية بتكلفة قدرها 12 مليون جنيه في إطار المشروع القومي لإنقاذ آثار القاهرة التاريخية وقد إستغرق ترميم المسجد 6 سنوات وتضمن ترميم الأجزاء الأصلية خاصة إيوان القبلة والمداخل والقبة والمدرسة بالإضافة الي إحياء العناصر المندثرة من المسجد وفي مقدمتها بناء الإيوانات الثلاثة المكملة للمسجد وتم إفتتاحه بعد تجديده في شهر يوليو عام 2007م